الرؤيا والأهداف

 * * *

استراتيجيّة الحرب الإيكولوجيّة الحاسمة

* * *

الأهداف

الهدف الأخير لحركة المقاومة الرئيسيّة في هذا السيناريو هو بكل بساطة الحفاظ على كوكبّ حيّ، لا مجرّد كوكب يعيش، هي تريد كوكب يتعافى ويضجّ بالحياة والتنوّع عاماً بعد عام. كوكب حيث يعيش فيه البشر في مجتمعات عادلة ومستدامة من دون استغلال الكوكب أو بعضهم البعض.

بالنظر إلى حالتنا الطارئة، هذا يترجم إلى أهداف عاجلة هي قلب الاستراتيجيّة الكبرى للحركة:

الهدف الأوّل: تعطيل وتفكيك الحضارة الصناعيّة، وبالتالي إزالة قدرة الأغنياء على استغلال المهمّشين وتدمير الكوكب.

الهدف الثاني لهذه الحركة يرتكز ويساند الهدف الأوّل:

الهدف الثاني: الدفاع عن وبناء مجتمعات بشريّة مستدامة ومستقلّة، والمساعدة على تعافي الأرض كجزء من ذلك.

* * *

تحقيق هذه الأهداف يتطلّب عدّة استراتيجيّات واسعة ينخرط فيها عدد كبير من الناس في منظّمات كثيرة ومختلفة، علنيّة وسرّية. الاستراتيجيات الأساسية المطلوبة في هذا السيناريو النظري تشمل:

الاستراتيجية أ: الانخراط في تحرّكات مباشرة ضدّ البنية التحتيّة الصناعيّة، وخاصة البنية التحتيّة الطاقويّة.

الاستراتيجيّة ب: المساعدة في والمشاركة في الصراعات القائمة من أجل العدالة الاجتماعيّة والإيكولوجيّة والدفاع عن المساواة وتقويض عمليّة الاستغلال التي يقوم بها أولئك الذين في السلطة.

الاستراتيجيّة ج: الدفاع عن الأرض ومنع توسّع عمليات التنجيم وقطع الأشجار والبناء وكل ما شابه ذلك من عمليّات صناعيّة، بهدف الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأرض والأجناس الحيّة حين تنهار الحضارة.

الاستراتيجيّة د: بناء وتعبئة حركات المقاومة التي ستدعم النشاطات المذكورة أعلاه، في أمور مثل التدريب لامركزي، التجنيد، الدعم لوجستي وكلّ تلك الأمور.

الاستراتيجيّة هـ: إعادة بناء أساس مستدام للمجتمعات البشرية (ومن ضمنها الارتكاز على أسلوب الزراعة المتنوّع من أجل الغذاء) وبناء مجتمعات محلّية، ديمقراطية تقوم على حقوق الإنسان.

* * *

في وصف هذا السيناريو البديل، يجب أن نكون واضحين حول بعض التعابير مثل “التحرّكات ضد البنية التحتيّة الصناعيّة”. ليست كل البنى التحتيّة متساوية، ولا تتمتّع كل الهجمات على البنى التحتيّة بنفس الأولوية، الفعاليّة، أو المقبوليّة الأخلاقيّة بالنسبة لحركات المقاومة في هذا السيناريو. كما كتب ديريك جينسين في كتاب “نهاية اللعبة”، لا يمكنك أن تبرّر أخلاقياً تفجير مستشفى للأطفال. على الجهة الأخرى، لا يمكنك أن تجادل أخلاقياً ضد إزالة أبراج البثّ الخليوي. بعض البنى التحتيّة سهلة، بعضها صعب، وبعضها أصعب.

في السياق نفسه، هنالك عدّة آليات تقود الانهيار، وليست كلها متساوية أو مرغوب فيها. في سيناريو الحرب الإيكولوجيّة الحاسمة، يتم تسريع وتشجيع بعض الآليات عن عمد، فيما يتم إبطاء أو تقليص الآليات الأخرى. على سبيل المثال، الانحدار الطاقوي عبر تخفيض استهلاك الوقود الأحفوري هو آلية انهيار مفيدة جداً للكوكب وللبشر (وخاصة على المدى البعيد)، وهذه الآلية يتم تشجيعها. على الجهة الاخرى، الانهيار الإيكولوجي عبر تدمير المنظومات البيئية وانقراض الفصائل الحيّة هو أيضاً آلية انهيار (لكنها تأخذ وقت أطول ليصل تأثيرها النهائي إلى البشر)، وهذا النوع من الانهيار يتم إبطاؤه أو إيقافه حيثما وأينما كانت ذلك ممكناً.

الانهيار في المعنى الواسع للكلمة هو خسارة سريعة في التعقيد. إنه تحوّل باتجاه بُنى لامركزية أصغر حجماً – اجتماعيّا وسياسياً واقتصاديّا – مع طبقات اجتماعيّة وضوابط وأحكام أقلّ وهكذا دواليك. آليات الانهيار تشمل:

  • الانحدار الطاقوي حيث يبلغ استخراج الوقود الأحفوري ذروته، ويؤدي نموّ السكّان والصناعة إلى تقلّص الطاقة المتاحة لكل فرد.
  • الانهيار الصناعي حيث الاقتصادات الكبرى يتم تدميرها بسبب ارتفاع تكلفة النقل والتصنيع وبسبب التراجع الاقتصادي.
  •  الانهيار الاقتصادي حيث يصبح الاقتصاد الرأسمالي للشركات الكبرى غير قادر على الحفاظ على النموّ والاستمرار في عمليّاته الرئيسيّة.
  • التغيّر المناخي الذي يسبّب انهيارات بيئيّة، فشل المحاصيل الزراعية، انتشار المجاعة، النزوح، الأوبئة…ألخ.
  • الانهيار الإيكولوجي بمختلف أشكاله الذي يسبّب استخراج الموارد، تدمير المنظومات البيئية، تحطيم التنوّع البيولوجي، والتغيّر المناخي.
  • الأمراض، ومنها الأوبئة التي يسبّبها الاكتظاظ والفقر، إلى جانب الأمراض التي تسبّبها البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
  • أزمات الغذاء التي يسبّبها القضاء على زراعة الكفاف ومنظومات الغذاء المحلّية، والتنافس على الحبوب من قبل المزارع الصناعية وصناعات الوقود الحيوي، والتي يغذّيها أيضاً الفقر والحدود الفيزيائية على انتاج الغذاء بسبب نفاذ الموارد (كالمياه والتربة).
  • نفاذ الموارد حيث أن الاستهلاك المتسارع للموارد غير المتجدّدة مثل المياه، التربة، والنفط يؤدي إلى استنزاف سريع للإمدادات الطبيعية.
  • الانهيار السياسي للبُنى السياسيّة الكبرى إلى مجموعات أصغر؛ الإنفصاليّون سوف يستقلّون عن الدول الأمّ وبعض الدول ستفلس أو ستتحوّل ببساطة إلى دول فاشلة.
  • الانهيار الاجتماعي على وقع نقص الموارد والفوضى السياسية مما سيجزّأ المجموعات الاجتماعيّة الاصطناعيّة الكبيرة إلى مجموعات أصغر (التي ستكون أحياناص مرتكزة على الطبقة، العرق، أو الانتماء المناطقي)، وغالباً سيكون ذلك في ظلّ منافسة بين تلك المجموعات.
  • الحروب والنزاعات المسلّحة وخاصة حروب الموارد على الموارد المتبقيّة والنزاعات الداخلية بين أمراء الحرب والمجموعات المختلفة.
  • الجريمة والاستغلال الذي سيسبّبه الفقر واللامساواة، وخاصة في المناطق المدينيّة المزدحمة.
  • نزوح اللاجئين الناتج عن الكوارث المفاجئة مثل الزلازل والفيضانات، والذي سيكون أسوأ أيضاً بسبب التغيّر المناخي، أزمات الغذاء والأزمات السياسيّة وغيرها…

 * * *

في هذا السيناريو، كل جانب سلبي من انهيار الحضارة له أثر عكسي إيجابي تشجّعه حركة المقاومة. انهيار البُنى السياسية الاستبداديّة الكبيرة يفتح امكانية العمل على ظهور بنى سياسية تشاركيّة على نطاق صغير. انهيار الرأسمالية الصناعيّة العالميّة يفتح الباب أمام نشوء منظومات تبادل وتعاون وتنسيق محلّي، وهكذا دواليك. بشكل عام، في هذا المستقبل البديل، عدد صغير من المقاومين السرّيين يسقطون البُنى الكبيرة، وعدد كبير من الناشطين العلنيّين يحصدون ويعملون على إيجاد البنى الصغيرة الإيجابيّة.

في كتابه “انهيار المجتمعات المعقّدة”، يناقش جوزف تاينتر بأن الآلية الأساسية للانهيار مرتبطة بمستوى التعقيد الاجتماعي. التعقيد هو تعبير عام يشمل عدد من الأعمال والأدوار المختلفة في المجتمع (مثال: لا فقط معالجين صحّيين، بل أيضاً اختصاصيي أمراض، جرّاحين بمختلف الاختصاصات، أطباء أطفال وأطباء جلد وأطباء شيخوخة…ألخ)، حجم ومدى تعقيد البُنى السياسيّة (مثال: لا فقط مجالس شعبيّة لكن أجهزة بيروقراطيّة هائلة)، عدد ومدى تعقيد الأدوات والتكنولوجيا (مثال: لا فقط رماح، بل أنواع وعيارات كثيرة من الرصاص)، وهكذا دواليك. الحضارات تحاول استعمال التعقيد من أجل مواجهة المشاكل، وكنتيجة، التعقيد التكنولوجي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي يزداد مع الوقت.

لكن التعقيد له ثمن. تراجع الحضارة يبدأ حين تصبح كلفة التعقيد بتجاوز المنافع – أو بتعبير آخر، حين يقدّم المزيد من التعقيد عائدات أقلّ. في تلك النقطة، الأفراد، العائلات، المجتمعات والوحدات السياسية والاجتماعيّة الصغرى لا تمتلك محفّزات للتوقّف عن المشاركة في تلك الحضارة. التعقيد يستمرّ بالازدياد مع الوقت، لكنه يصبح أكثر كلفة. في نهاية المطاف تلك الأكلاف المتعاظمة تجبر تلك الحضارة على الانهيار، ويعود الناس إلى بُنى سياسيّة ومجموعات اجتماعيّة محلّية أصغر حجماً.

جزء من مهمّة حركة المقاومة هو زيادة الكلفة وتقليص عائدات التعقيد الامبراطوري. ذلك لا يستوجب انهيار فوري أو تحرّكات عالميّة كبرى. الأعمال الصغيرة يمكن أن ترفع من كلفة التعقيد وتسرّع الأجزاء الجيّدة من الانهيار فيما تعالج تلك السيّئة.

جزء من أطروحة تاينتر هي أن المجتمع المعاصر لن ينهار بنفس الطريقة التي انهارت بها المجتمعات القديمة، لأن التعقيد (عبر أمور مثل الزراعة الواسعة واستخراج الوقود الأحفوري) أصبح أساس الحياة الإنسانيّة بدل أن يكون منفعة جانبيّة. العديد من المجتمعات التاريخيّة انهارت حين عاد الناس إلى القرى وإلى أساليب حياة أكثر بساطة. اختاروا فعل ذلك. البشر المعاصرون لن يقوموا بذلك، على الأقل ليس على نطاق واسع، ولسبب هو أن القرى اختفت، وطرق الحياة التقليدية هي غير متوافرة لهم. هذا يعني أن الناس في الحضارة المعاصرة مقيّدون، والعديد منهم سيصارعون من أجل إبقاء الحضارة الصناعيّة حتى حين يصبح واضحاً أن الاستمرار بها غير نافع. في ظلّ الحرب الإيكولوجيّة الحاسمة، الناشطون العلنيّون يسهّلون هذا الجانب من الانهيار عبر تطوير بدائل تخفّف من الضغط وتشجّع الناس على ترك الرأسماليّة الصناعية اختيارياً.

* * *

هنالك أمر مثير للإعجاب في مفهوم حرب الاستنزاف الشعبية الذي استُعمل في الصين وفييتنام. إنه فكرة أنيقة، إن كان يمكن لنا أبداً وصف الحرب بهكذا تعابير: الفكرة الجوهرية قابلة للتكيّف والتطبيق حتى في وجه هزائم كبرى وانعطافات غير متوقّعة للأحداث.

لكن الحرب الاستنزاف الشعبيّة لا تنطبق تحديداً على المستقبل الذي نناقشه. الناس في هذا السيناريو لن يمتلكوا أبداً الأعداد التي تستوجبها حرب الاستنزاف الشعبيّة، وسيواجهون أيضاً خصماً من طبيعة مختلفة يجب تطبيق تكتيكات مختلفة في وجهه. لذا سيأخذون الفكرة الأساسية لحرب الاستنزاف الشعبيّة ويطبّقوها على وضعهم الخاص – الحاجة لإنقاء كوكبهم، وإسقاط الحضارة الصناعية. سيقومون بوضع استراتيجيّة كبرى مرتكزة على خطوات متتابعة بسيطة تنتقل منطقياً من واحدة إلى أخرى.

في هذا السيناريو المستقبلي البديل، الحرب الإيكولوجيّة الحاسمة لديها أربعة مراحل تبدأ من المستقبل القريب وصولاً إلى سقوط الحضارة الصناعيّة. المرحلة الأولى هي مرحلة بناء الصلات والتعبئة. المرحلة الثانية هي مرحلة التخريب والصراع اللامتماثل. المرحلة الثالثة هي تعطيل المنظومات. والمرحلة الرابعة والأخيرة هي التفكيك الحاسم للبنية التحتيّة.

كل مرحلة لديها أهدافها الخاصّة، مقارباتها العمليّة، وضروراتها التنظيميّة. لا يوجد خطّ واضح يفصل بين هذه المراحل، والمناطق المختلفة سوف تتقدّم بهذه المراحل في أوقات مختلفة. هذه المراحل تركّز على دور شبكات المقاومة المسلّحة. البناء العلني للبدائل وترميم المجتمعات الإنسانيّة يحصل في الوقت نفسه. لكن ذلك لا يستوجب نفس الدقّة الاستراتيجيّة: بناء مجتمعات إنسانيّة مرتكزة على الاستدامة يجب أن يحصل ببساطة بأسرع وقت ممكن، في كلّ مكان، بجداول زمني وطرق مناسبة للمنطقة.

على الجهة الأخرى، في هذا السيناريو، يحتاج المقاومون أن يتشاركوا استراتيجيّة كبرى من أجل النجاح.

المرحلة الأولى: بناء الصلات والتعبئة

المرحلة الثانية: التخريب والصراع اللامتماثل

المرحلة الثالثة: تعطيل المنظومات

المرحلة الرابعة: التفكيك الحاسم للبنية التحتيّة

تنفيذ الحرب الإيكولوجيّة الحاسمة

* * *

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *