* * *
تمهيد: في هذه المرحلة، المقاومون ينقلون عملهم من التعامل مع أهداف فرديّة إلى التعامل مع منظومات صناعيّة، سياسيّة، واقتصاديّة بكاملها. تعطيل المنظومات الصناعيّة يستوجب شبكات سرّية منظّمة بطريقة هرميّة أو عسكريّة. هذه الشبكات الأوسع تظهر من المراحل السابقة مع قدرة على القيام بعدّة عمليّات في الوقت نفسه.
تعطيل المنظومات موجّه نحو تشخيص النقاط العصبيّة الأساسيّة في منظومات الخصم (الكهربائية، النقل، المال…ألخ)، والتعامل معها للتسبّب بانهيار هذه المنظومات أو تقليص فعاليّتهم. ما نتحدّث عنه هنا ليس مسألة ضربة واحدة. المنظومات الصناعيّة كبيرة ويمكن أن تكون هشّة، لكنّها مترامية الأطراف وليست متمركزة. سيكون هنالك محاولات للقيام بإصلاحات لإعادة التشغيل، والمقاومون سيفهمون ذلك. التعطيل الفعّال للمنظومات يستوجب التخطيط لأعمال مستمرّة ومنسّقة.
في هذا السيناريو، الحركة العلنيّة لا تكسب دفعاً حقيقياً طالما أن الأعمال كالمعتاد مستمرّة. على الجهة الأخرى، فيما تصبح المنظومات الاقتصادية والصناعيّة العالمية عرضة للتعطيل المتزايد (بسبب الانهيار الاقتصادي الذي تسبّبه الرأسمالية، الأزمة المناخيّة العالمية، الذروة النفطية، تآكل التربة، تناقص المياه… ولأسباب أخرى)، يرتفع الدعم لوجود مجتمعات محلّية منيعة. الفشل في إيصال الكهرباء والسلع المصنّعة يرفع الاهتمام في الانتاج المحلّي للغذاء والطاقة وما شابه. هذه الاضطرابات ستسهّل أيضاً على الناس التعامل مع الانهيار الكامل على المدى البعيد – سيكون هنالك خسارة على المدى القصير وربح على المدى البعيد، حتى في ما يتعلّق بالمجتمعات البشرية.
ديميتري أورلوف، وهو محلّل هام حول الانهيار السوفياتي، يشرح أن الطبيعة المختلّة للنظام السوفياتي حضّرت الناس لتفكّكه النهائي. في المقابل، اقتصاد صناعي يعمل بشكل جيّد يعطي شعوراً زائفاً بالأمان ويترك الناس غير مستعدّين، مما يؤدّي إلى تعظيم السوء (الناتج عن الانهيار). المنظمات والمؤسسات العلنيّة تكون راسخة في هذه المرحلة من السيناريو الافتراضي، وهي تستمرّ بالدفع من أجل إصلاحات، مركّزة على الحاجة الملحّة للعدالة، العودة إلى المحلّيات وبناء مجتمعات منيعة، نظراً إلى أن السيستيم المهيمن هو غير عادل، غير جدير بالثقة وغير مستقرّ.
طبعاً، في هذا السيناريو الأعمال المقاومة التي تؤثّر على الحياة اليومية ستسبّب بردّة فعلاً، أحياناً من أجزاء من الشعب، لكن بشكل خاص من السلطويين على كافة المستويات. الناشطون العلنيون هم محاربون في الصفوف الأمامية في وجه السلطوية والاستبداد. إنهم الوحيدون الذين يمكن أن يوجدوا التعبئة الشعبية المطلوبة لمنع الفاشيّة.
إلى ذلك، الناشطون العلنيون سيستغلّون عمليات تعطيل المنظومات كفرصة لتقوية المجتمعات المحلّية والمؤسسات البديلة. الناس في الثقافة السائدة سيتم تشجيعهم على دعم البدائل التشاركيّة المحلّية في المجالات الاقتصاديّة، الاجتماعيّة، والسياسيّة. حين يسبّب الاضطراب الاقتصادي تزايد البطالة والتضخّم، سيعمل الناس محلياً لمصلحة مجتمعاتهم وأرضهم. فيما ستعاني الحكومات الوطنية حول العالم بشكل متزايد لمعالجة الأزمات (كالذروة النفطية، النقص في الغذاء، الفوضى المناخيّة…ألخ) وتفشل في تأمين احتياجات الناس، سوف تبدأ المجالس المحلّية والديمقراطية المباشرة بالاضطلاع بإدارة الخدمات الأساسيّة والناس سوف يعيدون توجيه ضرائهم لهذه المؤسسات المحلّية (ربّما كجزء من حملة عدم تعاون شاملة ضدّ من هم في السلطة). هذا سيحصل بالتوازي مع اجراءات الاستعداد للطوارىء والكوارث التي تم أخذها سابقاً.
في هذا السيناريو، كلما حاول أولئك الذين في السلطة أن يزيدوا استغلالهم واستبدادهم، سيدعوا المقاومون العلنيّون الناس لسحب دعهم وتعاونهم مع السلطة وتحويلها إلى الأجسام المحلّية الديمقراطية. تلك المؤسسات البديلة ستستطيع القيام بعمل أفضل من السلطات. الأرضيّة الواسعة التي تم تأسيسها في المراحل السابقة ستساعد على إبقاء تلك المؤسسات السياسيّة المحلّية تحت الأنظار وللحصول على الدعم من العديد من المجتمعات.
خلال هذه المرحلة، هنالك جهود استراتيجيّة لزيادة الضغوط على المنظومات الاقتصاديّة والصناعية التي تسبّبها الذروة النفطية، الاضطراب المالي، والعوامل الأخرى. المقاومون يرون أنفسهم على أنهم يدفعون مبنى متهاوٍ في الأصل. بالفعل في هذا السيناريو العديد من الانهيارات ستأتي من السيستيم نفسه، لا من المقاومين.
هذه المرحلة تحقّق إنجازات حاسمة وملموسة. حتى لو أن المنظومات الاقتصاديّة والصناعيّة لم تنهار بشكل كامل بعد، التعطيل المطوّل يعني تخفيض الأثر الإيكولوجي وذلك أخبار عظيمة للكوكب ولاستمرارية الإنسانيّة في المستقبل. حتى تخفيض بقدر 50 في المئة في الاستهلاك الصناعي أو انبعاثات الغازات الدفيئة هو نصر هائل (خاصة على اعتبار أن الانبعاثات استمرّت بالصعود في وجه كل النشاط البيئي حتى الآن)، وذلك يسمح للمقاومين – ولجميع الكائنات الحيّة الأخرى – بشراء بعض الوقت.
في الأجزاء الأكثر تفاؤلاً في هذا السيناريو الافتراضي، المقاومة الفعّالة تدفع الذين في السلطة للتفاوض أو تقديم تنازلات. حين تظهر حركة المقاومة قدرتها على استعمال القوّة والاستراتيجية الحقيقية، لا يمكن تجاهلها. أولئك الذين في السلطة سيبدأون بطرق أبواب الناشطين العلنيين، ويتوسّلوهم للتفاوض على تغييرات هدفها احتواء قضيّة المقاومة والحدّ من أعمالها المستقبليّة.
لكن في هذه النسخة من المستقبل، مجموعات المقاومة تبدأ بأخذ المبادرة بشكل فعلي. هي تفهم أنه في الجزء الأكبر من تاريخ الحضارة، المبادرة كانت دائماً في يد الذين هم في السلطة، ما يجبر مجموعات المقاومة والشعوب تحت الاستعمار أن تبقى في حالة دفاعيّة، أن تقوم بردّات فعل على الهجمات التي تتعرّض لها، وأن تكون باستمرار في حالة عدم توازن. لكن، الذروة النفطية والاضطرابات الأخرى في السيستيم سبّبت حالة من الطوارىء لأولئك الذين في السلطة، بعضها ناتج عن أعمال المقاومة، وبعضها ناتج عن الاضطراب الشعبي والأزمات الأخرى، وبعضها ناتج عن نتائج قرون من الاستغلال الاجتماعي والبيئي. ربّما للمرّة الأولى في التاريخ، أولئك الذين في السلطة هم في حالة عدم التوازن ومشغولين بأزمة تلو أزمة ما يعطي فرص عديدة لمجموعات المقاومة والثقافات والمجتمعات المستقلّة لإمساك زمام المبادرة.
* * *
الأهداف:
- استهداف مفاصيل حيويّة محدّدة في المنظومات الاقتصاديّة والصناعيّة لتعطيلها.
- تحقيق انخفاض ملموس في النشاط الصناعي والاستهلاك الصناعي.
- إتاحة حصول تنازلات، مفاوضات، وتغيير سياسي واجتماعي إن كان ذلك ممكناً.
- حثّ انهيار شركات، صناعات، أو منظومات اقتصاديّة محدّدة.
* * *
العمليّات:
- بالجزء الأكبر منها، عمليّات حاسمة وتغذية وتشكيل حين يكون ذلك ضرورياً لتعطيل المنظومات. الكوادر والمقاتلين يجب أن يكونوا مخضرمين وخبيرين في هذه النقطة، لكن المباشرة بالعمليّات الحاسمة والجدّية ستعني نسبة خسائر أكبر للمقاومين. لا يوجد نفع من أن نكون غامضين حول هذه النقطة: أعضاء المقاومة في هذا السيناريو الذين سيقومون بأعمال مقاومة مسلّحة سيذهبون متوقّعين أنهم إمّا سيموتون أو سيذهبون إلى السجن. إنهم يعلمون أن أي نتيجة غير تلك ستكون هدّية عليهم أن يربحوها من خلال المهارة والحظّ.
* * *
التنظيم:
- الاستخدام المكثّف للشبكات السرّية؛ التنسيق العمليّاتي هو شرط للتعطيل الفعّال للمنظومات.
- التجنيد مستمرّ في هذه النقطة؛ خاصة لتجنيد الاحتياطيين والمساعدين والتعامل مع الخسائر. في هذه المرحلة هنالك محاولات متعدّدة وجدّية لاختراق شبكات المقاومة. الاختراقات قد لا تكون ناجحة جداً لأن الشبكات السرّية قامت بالتجنيد الكثيف في المراحل السابقة (قبل قيامها بعمليّات واسعة) لتأمين وجود مجموعة موثوقة من القادة والكوادر الذين يشكّلون العمود الفقري للشبكات.
- التنظيم العلني سيكون أكثر قدرة على التعبئة الشعبية بسبب الأزمات المتنوّعة الاقتصادية، السياسيّة والمادّية.
- في هذه النقطة، المقاومون يصبحون أكثر اهتماماً بردّة الفعل من الناس الذين يجب أن يكونوا إلى جانبهم، كالعديد من الليبراليين، وخاصة حين تقوم السلطات بالضغط على الحركات العلنيّة.
* * *