* * *
“مهمّة الناشط ليست الإبحار عبر منظومات القوّة القمعيّة بأكثر قدر ممكن من النزاهة الشخصيّة، بل هي تفكيك تلك المنظومات”.
ليير كيث
* * *
ما هي المقاومة الخضراء العميقة؟
*
المقاومة الخضراء العميقة هي تحليل، استراتيجيّة، وحركة قيد الولادة، الحركة الوحيدة من نوعها.
كتحليل، هي تكشف أن العشرة آلاف عام الأخيرة في تاريخ البشريّة – صعود وهيمنة الحضارة – هي ثقافة الموت التي باتت تهدّد الآن كل مخلوق حيّ على الأرض.
كاستراتيجيّة، هي تنتقد الحلول المرتكزة على التغيير الفردي لنمط الحياة، العاجزة عن إيقاف تدمير الشعوب والفصائل الحيّة والكوكب. في المقابل، المقاومة الخضراء العميقة تقدّم خطّة صلبة لكيفيّة إيقاف هذا الدمار.
كحركة علنيّة عامّة تأخذ الآن خطواتها الأولى، المقاومة الخضراء العميقة مرتكزة على هذا التحليل والاستراتيجيّة، ونحن نقوم بالتجنيد.
هدف المقاومة الخضراء العميقة هو حرمان الأغنياء من قدرتهم على السرقة من الفقراء، ومنع الأقوياء من قدرتهم على تدمير الكوكب. هذا يستوجب الدفاع عن وإعادة بناء مجتمعات إنسانيّة عادلة ومستدامة محتضنة داخل بيئات متعافية وسليمة. هذه مهمّة هائلة، لكن يجب أن نقولها: نعم يمكننا تحقيقها. يجب إيقاف الحضارة الصناعيّة.
المقاومة الخضراء العميقة إذاً هي حركة عدالة بيئيّة واجتماعيّة، ترى بأن الحضارة، البطريركيّة، والرأسماليّة هي بضعة ترتيبات بين ترتيبات سلطويّة كثيرة يجب تفكيكها من أجل الدفاع عن الأرض. المقاومة الخضراء العميقة تؤمن بضرورة وجود حركة مقاومة واسعة، مركّزة، وجدّية يمكنها إيقاف قتل الكوكب قبل فوات الأوان.
المقاومة الخضراء العميقة مؤلفة من عمّال، وكتّاب، ومنظّمين، وبوّابين، وأهالي، وموسيقيين، ونسويين، وأساتذة، ومزارعين، وعمّال التنظيفات، وفنّانين، وطلّاب. نحن نأتي من مختلف المشارب لكن لدينا هدف واحد: الدفاع عن هذا الكوكب الذي هو بيتنا الوحيد. تكتيكاتنا تشمل الترسانة الكاملة من التحرّكات المباشرة اللاعنفية، من ضمنها الحصارات، الاحتجاجات، والتظاهرات. لكننا أيضاً ملتزمون بالتعليم والعمل الثقافي. وكل ذلك العمل ضروري بما أن المستقبل سوف يستوجب وجود متجمعات محلّية قوية تعتنق الديمقراطية المباشرة، اقتصادات التعاون والدعم، حقوق الإنسان، وحقوق الطبيعة. فيما تنهار المنظومات القمعيّة الاجتماعيّة والاقتصادية، سيكون علينا بناء ثقافات جديدة مبنيّة على العدالة والصلات مع الأرض.
لا مزيد من التحرّكات الجزئيّة، المرتكزة على ردّات الفعل، غير المجدية والبائسة. لا مزيد من أنماط التفكير السحريّة التي تنتظر المعجزات أو تهدف لإشعارنا بالرضى الذاتي عن أنفسنا فحسب؛ لا مزيد من التفكير الضيّق والمحدود والحلول المرتكزة على الاستهلاك، لا مزيد من النكران والآفاق المسدودة التي تغتبط بها الرأسماليّة فيما نمشي نحو حتفنا.
استراتيجية المقاومة الخضراء العميقة تتضمّن جزءان منفصلان من الحركة: حركة علنيّة عامّة فوق الأرض وحركة غير علنيّة – آندرغراوند*. الحركة العلنيّة العامة تعمل من أجل مجتمعات عادلة، مستدامة، ومؤسسات تشاركيّة، وتساعد الناشطين الآخرين بالدعم المادّي والمعنوي. في أي سيناريو مقاومة، الآندرغراوند – الحركات غير العلنيّة، تقوم بتفكيك البنية التحتيّة الاستراتيجية للسلطة بوسائل ستكون خارج التحدّيات القانونية وأبعد من العصيان المدني. هذا تكتيك مبدئي يستعمله العسكريون والمتمرّدون في كافة أنحاء العالم لأنه بكل بساطة يعمل بنجاح. لكن هذه النشاطات وحدها ليست استراتيجيّة كافية لتحقيق نتيجة عادلة. هذا يعني أن أي استراتيجية تهدف لتحقيق مستقبل عادل عليها أن تتضمّن النداء من أجل بناء ديمقراطيّات مباشرة مرتكزة على حقوق الإنسان وثقافات ماديّة مستدامة. ما يعني أنه على الفروع المختلفة لحركات المقاومة أن تعمل جنباً إلى جنب: الحركات العلنيّة وتلك التي تحت الأرض، المقاتلين واللاعنفيّين، الناشطين في الصفوف الأماميّة والمثقّفين. نحن نحتاج لكلّ شيء بمتناولنا.
ونحن نحتاج للشجاعة. كلمة “شجاعة” في اللغة الإنكليزيّة Courage تأتي من نفس جذر كلمة “قلب” الفرنسية Coeur . وفي اللغة العربية الشجاعة تعني الشديدُ القلبِ عند المصاعب. ونحن نحتاج إلى كل الشجاعة التي يمكن أن يحملها القلب البشري، المنحوتة كسلاح ودرع على السواء لحماية ما بقي من هذا الكوكب. والشريان الذي يضخّ الحياة في فضيلة الشجاعة هو، بطبيعة الحال، الحبّ.
لذلك، وفيما حركة المقاومة الخضراء العميقة هي حول الدفاع الشرس عن الحياة، هي في جوهرها حول الحبّ. الأنهار والغابات وطيور الهدهد وأسماك السلمون تحتاج لقلبك، مهما كان منهكاً، لأنه حتى القلب المكسور مصنوع أيضاً من الحبّ. إنهم يحتاجون لقلبك لأنهم يختفون، ينقرضون، ينزلقون إلى ليلة الغياب الأطول التي لن يعودوا من بعدها أبداً فيما المقاومة الفعليّة لم تظهر بعد في الأفق. سنحتاج لبناء تلك المقاومة من أيّ شيء يتوافر بين أيادينا: من الهمسات والصلوات، من التاريخ والأحلام، من أكثر كلماتنا شجاعة وأكثر أفعالنا بسالة. الطريق أمامنا سيكون صعباً، وسيكون هنالك أثمان باهظة، وفي العديد من الليالي العنيدة سيبدو حلمنا مستحيلاً. لكن يجب علينا فعلها في كلّ الأحوال. لذا استجمع قلبك وانضمّ إلى جانب كلّ مخلوق حيّ. إن كان الحبّ هو قضيتنا الأولى، فكيف يمكن أن نفشل؟
* * *
لقراءة المزيد: يمكن الإطّلاع على كتاب “المقاومة الخضراء العميقة: استراتيجيّة لإنقاذ الكوكب” (بالإنكليزيّة) Deep Green Resistance: Strategy to Save the Planet.
* * *
- · ملاحظة: نحن حركة علنيّة عامّة. لن نجيب على أسئلة متعلقة بأي رغبة فرديّة بالانضمام إلى أو تشكيل حركة غير علنيّة تحت الأرض. هنالك فصل تام بين الحركة العلنيّة وأي حركات آندرغراوند قد تكون وقد لا تكون موجودة. نحن نقوم بهذا الفصل من أجل الحفاظ على سلامة وأمن كل الأفراد المنخرطين في المقاومة الخضراء العميقة.