* * *
في الوقت الذي يقترب فيه موعد قيام الحكومة اللبنانية بتوقيع الصفقات الأولى مع الشركات العالمية من أجل بدء عملية التنقيب واستخراج النفط قبالة الشواطىء اللبنانية، انضمّت المزيد من الأصوات لمعارضة المشروع فيما معظم الأحزاب والجمعيّات البيئية تلتزم صمتاً مريباً.
محرّر القسم البيئي في جريدة السفير وأحد مؤسسي حزب البيئة اللبناني، المؤلف حبيب معلوف، كتب في السفير عن “بشاعة الإنجازات الكبرى” وتضمّن حديثه نقداً لاذعاً للمشاريع الكبرى في بعض الوزارات اللبنانية وخاصة مشاريع السدود والتنقيب عن النفط. قال معلوف حول التنقيب عن النفط أنه:
“التحدي الأكبر لقوانين الطبيعة والذي يشكل الخيار الأخطر مع خيار إنشاء السدود السطحية، فهو بمثابة من “يحضر الدب الى الكرم”. إنه بمثابة التنقيب عن موارد ملعونة. موارد يمكن ان يؤدي سحبها من باطن الأرض الى المساهمة في ترقق القشرة الأرضية، ولو بشكل ضئيل، والى استجلاب الزلازل. فبعد استغلال الشركات الكبرى وحصولها على الحصة الأكبر من هذه الموارد، سيشكل الفتات الباقي بعد غنائم الشركات، مادة خصبة للمزيد من الانقسامات والنزاعات لتقاسم العائدات، بالإضافة الى تخريب بنية الاقتصاد. كما لا حاجة الى الحديث عن المخاطر الناجمة في حال حصول أي حادث تسرّب وأثره على هذا البحر الصغير وشبه المغلق”.
المدوّن اللبناني جينو رعيدي عدّد ستّة أسباب لتشكيكه بمنفعة استخراج النفط، تحت عنوان “هل أنا اللبناني الوحيد الذي لا يريد النفط والغاز؟“. الأسباب التي عدّدها رعيدي هي الفساد (لأن المال سيذهب على الأرجح لجيوب السياسيين الفاسدين وحاشياتهم)، الحرب مع إسرائيل، الأثر البيئي السلبي، أداء وزارة الطاقة اللبنانية الذي لا يشجّع حتى الآن على الثقة بها خاصة مع وصول التقنين إلى مستويات قياسيّة، عدم التأكد من حجم المخزون النفطي، والمشاكل المرتبطة بالاستيراد في ظلّ الوضع السياسي في المنطقة.
بدوره، المدوّن والمؤلف اللبناني عادل نور الدين، تحدّث في مدوّنته سنديانة الجنوب عن الخطر الاستراتيجي للتنقيب عن النفط والغاز في لبنان. شرح نور الدين الكلفة العالية للمشروع من النواحي المادية والسياسيّة والاقتصادية، حيث أن استخراج النفط “سيؤدي إلى إنتقال لبنان من دولة فقيرة إلى دولة نفطية فقيرة، وإلى إزدياد التمييز ضد النساء و إنتهاك القليل من الحقوق التي يملكونها في لبنان”، مستشهداً بدراسة حول تأثير النفط على مستويات اضطهاد النساء في العالم الإسلامي. الكاتب تحدّث أيضاً عن أن الثروة النفطية الناشئة ستؤدّي إلى ازدياد الصراعات الطائفيّة والسياسية التي قد تتطوّر بسرعة إلى حرب أهلية، كما في العديد من البلدان النفطية الأخرى. وفي ما يتعلّق بسلامة البيئية اللبنانية يقول نور الدين:
“التنقيب عن الغاز في عرض البحر و قبالة شواطئنا الجنوبية، سيعرّضنا إلى كوارث بيئية كثيرة، و بشكل خاص في دولة كلبنان تنعدم فيها آليات المراقبة و المحاسبة. ففي حين ما يزال أنبوب شركة “بي بي” يلوّث مياه الأطلسي و معه شواطئ الولايات المتحدة، يتحمّس السياسيين اللبنانيين للقيام بمغامرة إستخراج الغاز من قعر البحر و ثلويث شواطئ لبنان التي هي “قطعة سما”. فلبنان، الارض الخضراء و الجبلية الوحيدة في الشرق العربي، قد تتحوّل إلى أرض ملوّثة تُبعد السوّاح الأجانب و تدمّر القطاع السياحي و الذي هو حاليا الوحيد (مع القطاع المصرفي) في صحة جيدة.”
المؤلف والناشط طوني صغبيني أشار أيضاً إلى مخاطر استخراج النفط في مقال بعنوان “اكتشاف البترول: الكارثة المقبلة على لبنان“. وتحدّث الكاتب عن المخاطر البيئية العالية للمشروع، وعن التضليل الحكومي للبنانيين فيما يتعلّق بالصناعة النفطيّة. كتب صغبيني:
ما أن تقوم دولة متأخرة ذات طبقة سياسية فاسدة كلبنان بحكّ فانوس النفط لتحقيق أمانيها، فإنها ستطلق مع مارد الذهب الأسود مجموعة من الأمراض السياسية والاقتصادية والبيئية التي ستجعل منه نقمة حقيقية” عليها لا نعمة. فالدول التي لا تمتلك بنية سياسية وقانونية واقتصادية مؤهلة وناضجة كفاية لاستيعاب الثروة المفاجئة التي يولّدها النفط ستجد نفسها سريعاً في شباك “لعنة الثروة”. و”لعنة الثروة” هو تعبير أطلقه علماء السياسة على الدول التي تمتلك ثروات طبيعية هائلة، ولكن بسبب بنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية المفكّكة والهشّة والفاسدة، تتحوّل الثروات التي تمتلكها إلى نقمة عليها فتكون النتيجة تزايد معدّلات الفقر والبطالة بدل تدنّيها، وتزايد نسب الفساد المالي والسياسي وتركّز الثروة في أيادي مجموعة صغيرة من النخب غالباً ما تكون مرتبطة بالحكم”.
وختم صغبيني بالقول:
فلنترك النفط في باطن البحر ولتتجه أنظارنا إلى ما تحمله هذه القطعة الجميلة من الأرض من ثروات ومفاجئات جميلة، فالذهب الأسود لن يحمل إلى مستقبل اللبنانيين سوى لونه القاتم: فهو ليس كنز، إنه كارثة””.
خلال هذا الوقت، هنالك صمت مريب من كافة المنظّمات والأحزاب البيئية اللبنانيّة حول مشروع التنقيب عن النفط، وخاصة من المنظّمات الكبيرة مثل السلام الأخضر-لبنان، حزب الخضر، وجمعيّة الخط الأخضر (غرين-لاين). حاولت حركة المقاومة الخضراء العميقة – لبنان، بالتعاون مع مبادرة راديكال بيروت، بالتواصل مع بعض هذه المنظّمات والأحزاب لبناء تحالف ضد استخراج النفط في لبنان، لكن لم نحصل على جواب بعد من أحد.